وقال - تعالى - : \" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا \" واليَومَ وفي ظِلِّ حَضَارَةِ الغَرْبِ النَّصرَانيِّ المُتَطَرِّفِ ، والذي تَتَغَنَّى بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّمَدُّنِ عَوَاصِمُهُ ، وَيَتَشَدَّقُ بِالمَعَاني الإِنسَانِيَّةِ مُثَقَّفُوهُ ، وَيَدَّعِي الحُرِّيَّةَ وَالتَّسَامُحَ كُبَرَاؤُهُ ، تَأَبى الحَقَائِقُ إِلا أَن تَتَكَشَّفَ يَومًا بَعدَ يَومٍ ، لِتُظهِرَ مَا تُكِنُّهُ صُدُورُ أولئك القَومِ مِن كُرهٍ وَبَغضَاءَ ، وَتُظهِرُ مَا يَنطَوُونَ عَلَيهِ مِن حِقدٍ وَشَحنَاءَ ، فَتَتَمَادَى وَسَائِلُ إِعلامِهِم وَيَتَنَاوَبُ مِنهُم أَشخَاصٌ مَوتُورُونَ ، على الاستِهزَاءِ بِرَسولِ اللهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ
وَتَتَكَرَّرُ مِنهُم محاولاتُ الإِسَاءَةِ إِلَيهِ بِأَلفَاظٍ نَابِيَةٍ وَرُسُومٍ بَغِيضَةٍ كَاذِبَةٍ ، مُعلِنِينَ ذلك على المَلأِ في صُحُفِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم ، ضَارِبِينَ بِعُرضِ الحَائِطِ مَشَاعِرَ أَكثَرَ مِن أَلفِ مِليونِ مُسلِمٍ هُم أَتبَاعُهُ وَأَحبَابُهُ ،، وَلَئِنْ سَاءَ المُسلِمِينَ وَقَطَّعَ قُلُوبَهُم ، وَأَغَاضَهُم وَقَرَّحَ أَكبَادَهُم ، ما نُشِرَ في تِلكَ الصُّحُفِ خِلالَ الأَشهُرِ الماضِيَةِ ، فَإِنَّ مِن عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ ، أَنَّ اللهَ لم يَخْلُقْ شَرًّا مَحْضًا ، بل كما قال ـ سبحانَه ـ : \" لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ \" فقد تَضَمَّنَ ذلك الشَّرُّ خَيرًا ، وَأَظهَرَ ذلك السُّوءُ حُسنًا ، وَلَو لم يَكُنْ إِلا أَنِ انكَشَفَتِ الحقِيقَةُ عَن وَجهِ الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ ، وَظَهَرَ لِكُلِّ ذِي بَصَرٍ زَيفُ مَا تَتَشَدَّقُ بِهِ مِن حُبٍّ لِلسَّلامِ ، وَبَانَت عَدَاوَةُ النَّصَارَى وَكَذِبُهُم فِيمَا يَزعُمُونَ مِن صَدَاقَةٍ وَمَوَدَّةٍ لِلمُسلِمِينَ ، وَاتَّضَحَ أَنَّ مَن يَطلُبُ رِضَاهُم وَيَنشُدُ وُدَّهُم ، مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَذوَةَ نَارٍ .
وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ : \" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ \" \" قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ \" فَمَاذَا عَسَى المُغتَرُّونَ مِن قَومِنَا يَقُولُونَ ؟
مَاذَا عَسَى أُغَيْلِمَةُ الصَّحَافَةِ وَسُفَهَاءُ الإِعلامِ يَكتُبُونَ ؟ أَينَ الذين كانوا يُلمِّعُونَ الغَرْبَ تحتَ شِعَارِ ( الآخَرِ ) سَتْرًا لِلكَافِرِ ؟!
ألا إِنَّ الحقِيقَةَ قَد تجلَّتْ وَانكَشَفَتْ ! فَلْيَصمُتْ مَن كانوا يُنَادُونَ بِاحتِرَامِ ( الآخَرِ ) ! وَلْيَلْقَمْ حَجَرًا مَن كَانوا يَوَدُّونَ لَو صَمَتَ دُعَاةُ الإِسلامِ ، مُنادِينَ بِـ ( حُرِّيَّةِ الفِكرِ ) بَل ( حُرِّيَّةِ الكُفْرِ ) ! إِذَا تَكَلَّمَ صَادِقٌ نَصَبُوا لَهُ العِدَاءَ ، وَإِنْ تَبَجَّحَ كَافِرٌ سَكَتُوا وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِيهِم . هَاهُو الكَافِرُ الذي سمَّوهُ ( الآخَرَ ) في مُحاوَلَةٍ لِتَميِيعِ المُصطَلَحَاتِ الشَّرعِيَّةِ ، وَإِضعَافِ عقيدة البَرَاءِ في نُفُوسِ المُسلِمِينَ ، هَا هُوَ ذلكم ( الآخَرُ ) يَتَطَاوَلُ على دِينِ اللهِ وَيَستَهزِئُ بِرَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فماذا عَسَاهُم فَاعِلِينَ ؟ إِنَّ هذا ( الآخَرَ ) الذي تَوَدَّدَ لَهُ بَعضُ سُفَهَاءِ المُسلِمِينَ وَطَلَبُوا رِضَاهُ ، لم يَقبَلْهُم مِن قَبلُ ، وَلَن يَقبَلَهُم بَعدُ ، لَن يُحِبَّهُم وَلَن يُقَدِّرَهُم ، وَلَن يَذهَبَ ما في صَدرِهِ عَلَيهِم ، حتى يجتَمِعَ الماءُ والنَّارُ ، وَحتى يَلتَقِيَ الضَّبُّ وَالحُوتُ ، ولا يُقَالُ هذا رَجمًا بِالغَيبِ وَلا ادِّعَاءً كَاذِبًا ، بل هُوَ مَا أَخبرَ اللهُ بِهِ في مُحكَمِ كِتَابِهِ ، إِذْ قَالَ ـ سبحانَه ـ : \" هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ، وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ ، قُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُمْ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ \" إنها عَدَاوَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ وَإِحَنٌ مُنعَقِدَةٌ ، لا يُذهِبُها زَمَانٌ ولا يُعالِجُها دَوَاءٌ ، وَلا تَهدَأُ مَهمَا قَدَّمَ المسلمون مِن تَنَازُلاتٍ عَن دِينِهِم أَو مَيَّعُوا أَحكَامَ عَقِيدَتِهِم .
وَممَّا يُستَفَادُ مِن هَذِهِ الأَحدَاثِ ـ أيها المسلمون ـ تميُّزُ الطَّيِّبِ مِنَ الخَبِيثِ ، وَظُهُورُ الصَّادِقِ مِنَ الكَاذِبِ ، قال ـ سبحانَه ـ : \" مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ \" ثم إِنَّ في الغَربِ مُنصِفِينَ ، فَقَد تُثِيرُهُم تِلكَ الحَملاتُ الشَّعوَاءُ وَتَحمِلُهُم على طَلَبِ الحَقَائِقِ ، فَيَهدِي اللهُ مِنهُم رِجالاً وَنِسَاءً فَيَحمِلُونَ الإِسلامَ في بِلادِهِم ، وَ\" إِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ \" وَمَا قِصَّةُ إِسلامِ حمزَةَ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ـ رضي اللهُ عنه ـ عنَّا بِبَعِيدٍ ، فقد كان سَبَبُ إِسلامِهِ استِخفَافَ أبي جَهلٍ بِرَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ إِذْ مَرَّ بِرَسولٍ اللهِ يَومًا عِندَ الصَّفَا ، فَآذَاهُ وَنَالَ مِنهُ ، وَرَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ سَاكِتٌ وَلا يُكَلِّمُهُ ، ثم ضَرَبَهُ أَبُو جَهلٍ بِحَجَرٍ في رَأسِهِ فَشَجَّهُ ، حتى نَزَفَ مِنهُ الدَّمُ ، ثم انصَرَفَ عنه إلى نادِي قُرَيشٍ عِندَ الكَعبَةِ ، فَجَلَسَ مَعَهُم ، وَكَانَت مَولاةٌ لِعَبدِاللهِ بنِ جدعانَ في مَسكَنٍ لها على الصَّفَا تَرَى ذلك ، وَأَقبَلَ حمزَةُ مِنَ القَنصِ مُتَوَشِّحًا قَوسَهُ ، فَأخَبرتْهُ المَولاةُ بما رَأَت مِن أَبي جَهلٍ ، فَغَضِبَ وَخَرَجَ يَسعَى ، لم يَقِفْ لأَحَدٍ حتى دَخَلَ المَسجِدَ وَفِيهِ أَبو جَهلٍ ، فَقَامَ على رَأسِهِ ، وقال له : يَا مُصفِرَ استِهِ ، تَشتُمُ ابنَ أَخِي وَأَنَا على دِينِهِ ؟
ثم ضَرَبَهُ بِالقَوسِ فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنكَرَةً ، فَثَارَ رِجَالٌ مِن بني مخزُومٍ ، وَثَارَ بَنُو هاشِمٍ ، فَقَالَ أَبو جَهلٍ : دَعُوا أَبَا عِمَارَةَ ، فَإِني سَبَبْتُ ابنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا . ثم شَرَحَ اللهُ صَدرَ حمزَةَ للإِسلامِ ، فَاستَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى ، واعتَزَّ بِهِ المسلمون أَيَّمَا اعتِزَازٍ ، وكان إِسلامُهُ نَصرًا عَظِيمًا للإِسلامِ ، وَكَانَت تِلكَ المَسَبَّةُ وذلك الاستخفافُ مِن أبي جَهلٍ ، سَبَبًا في النَّكبَةِ وَالخِزيِ وَالذُّلِّ لِلطُّغَاةِ المُعتَدِينَ . وَإِنَّا لَنَرَى أَنَّ هذا الاستِخفَافَ وَالاستِهزَاءَ مِن هؤلاءِ الطُّغَاةِ في صُحُفِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم ، لَبِدَايَةُ نَصرٍ لِلإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ ، وَإِنَّ بَشَائِرَ النَّصرِ لَتَلُوحُ في الأُفُقِ ... إِنَّ مَا يُقالُ أَو يُثَارُ ضِدَّ الإِسلامِ أَو ضِدَّ نَبيِّهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لَيَسُوءُ كُلَّ مُسلِمٍ وَيُحزِنُهُ ويُغضِبُهُ .. إِلا أَنَّ هذَا الشَّرَّ لا يَخلُو مِن خَيرٍ ، هُم يُريدُون أَمرًا ، وَالله يُرِيدُ أَمرًا \" وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ \" \" أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ \" ..
لَقَد دَبَّرَ أَسلافُهُم مِن قَبلِهِم وَمَكرُوا ، وَأعمَلُوا أَفكَارَهُم وَخَطَّطُوا ، وَأَجَالُوا آرَاءَهُم وَتَآمَرُوا ، وَابتَغَوُا الفِتنَةَ وَقَلَّبُوا الأُمُورَ ، وَاستَهزَؤُوا وَخَاضُوا ، فَأَبْطَلَ اللهُ سَعيَهُم ، وَرَدَّ كَيدَهُم في نحُورِهِم ، وحَاقَ بهم مَكرُهُم ، وَنَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ دِينَه ، قال ـ سبحانَه ـ : \" وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون \" وقال ـ تعالى ـ : \" لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ \" \" وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ \" \" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ \"
أما بعدُ ، فاتَّقُوا اللهَ ـ تعالى ـ وأطِيعُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ ولا تَعصُوهُ .
أيها المسلمون ، إِنَّهُ وَإِنِ استَهزَأَت صُحُفٌ غَربِيَّةٌ بِالحَبِيبِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَسَخِرَت مِنهُ ، فَإِنَّ ذلك لَحَسرَةٌ عَلَيهِم مَا بَعدَهَا حَسرَةٌ ، وَبُؤسٌ لهم مَا بَعدَهُ بُؤسٌ ، إِنَّهُ لَمُؤذِنٌ بِخَرَابِ دِيَارِهِم وَتَمَزُّقِ مُلكِهِم وَذَهَابِ دَولَتِهِم ، وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولَ : \" يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ، مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون \" ..
لَقَد بَعَثَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ رَسَائِلَ إلى كِسرَى مَلِكِ الفُرسِ وَإِلى قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ ، وَكِلاهما لم يُسْلِمْ ولم يَتَّبِعِ الهُدَى ، لَكِنَّ قَيصَرَ أَكرَمَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَأكرَمَ رَسولَهُ ، فَثَبَتََ مُلكُهُ ، وَاستَمَرَّ في الأَجيَالِ اللاحِقَةِ ، وَأَمَّا كِسرَى فَمَزَّقَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ واستَهزَأَ بِهِ ، فَقَتَلَهُ اللهُ بَعدَ قَلِيلٍ ، وَمَزَّقَ مُلكَهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، ولم يَبقَ للأَكَاسِرَةِ مُلكٌ ولم تَقُمْ لهم قَائِمَةٌ . فَأَبشِرُوا ـ أيها المسلمون ـ وَتَفَاءَلُوا ، ولا تَيأَسُوا مِن نَصرِ اللهِ وَلا تَقنَطُوا ، فَإِنها قَضِيَّةُ وَقتٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكثَرَ ..
يَقُولُ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ ـ رحمه اللهُ ـ :
إِنَّ اللهَ مُنتَقِمٌ لِرَسولِهِ ممَّن طَعَنَ عَلَيهِ وَسَبَّهُ ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكَاذِبِ ، إِذَا لم يُمكِنِ النَّاسَ أَن يُقِيمُوا عَلَيهِ الحَدَّ ، وَنَظِيرُ هذا ما حَدَّثَنَاهُ أَعدَادٌ مِنَ المُسلِمِينَ العُدُولِ ، أَهلِ الفِقهِ وَالخِبرَةِ ، عَمَّا جَرَّبُوهُ مَرَّاتٍ متعددةٍ ، في حَصْرِ الحُصُونِ وَالمَدَائِنِ التي بِالسَّوَاحِلِ الشَّامِيَّةِ ، لمَّا حَصَرَ المسلمون فيها بَني الأَصفَرِ في زَمانِنا ، قالوا : كُنَّا نحنُ نَحْصُرُ الحِصْنَ أَوِ المدينةَ الشَّهرَ أَو أَكثَرَ مِنَ الشَّهرِ وَهُو ممتَنِعٌ عَلَينَا ، حتى نَكَادُ نَيأَسُ مِنهُ ، حتى إِذَا تَعَرَّضَ أَهلُهُ لِسَبِّ رَسولِ اللهِ وَالوَقِيعَةِ في عِرضِهِ ، تَعَجَّلْنَا فَتحَهُ وَتيَسَّرَ ، وَلم يَكَدْ يَتَأَخَّرُ إِلا يَومًا أَو يَومَينِ أَو نحوَ ذَلك ، ثم يُفتَحُ المَكانُ عُنوَةً ، ويَكُونُ فِيهِم مَلحَمَةٌ عَظِيمَةٌ ، قَالوا : حتى إِنْ كُنَّا لَنَتَبَاشَرُ بتَِعجِيلِ الفَتحِ إِذَا سَمِعنَاهُم يَقَعُونَ فيه ، مَعَ امتِلاءِ القُلُوبِ غَيظًا عَلَيهِم بما قَالوا فِيهِ .. انتهى كلامُهُ .
وفي الصحيحِ عنِ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ قال : \" يَقُولُ اللهُ ـ تعالى ـ : مَن عَادَى لي وَليًّا ، فَقَد آذنتُهُ بِالحَربِ \" فَكيفَ بِمَن عَادَى سَيِّدَ الأَولِيَاءِ ؟ كَيفَ بِمَن استهزأَ سَيِّدَ الأَنبِيَاءَ ؟ الذي أَمَرَ اللهُ ـ تعالى ـ بِتَعظِيمِهِ وَتَوقِيرِهِ ، وَعَلَّقَ الفَلاحَ على نُصرتِهِ ، وَأخبرَ أَنَّ مَن لم يَنصُرْهُ فَلَيس مِنَ المُفلِحِينَ ، وَأَنَّ مَن آذَاهُ وَشَاقَّهُ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَأَنَّهُ ـ سبحانَه ـ كافِيهِ وَنَاصِرُهُ وَعَاصِمُهُ ، فقال ـ تعالى ـ : \" وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ \" وقال ـ سبحانَه ـ : \" فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ \"...
وقال - تعالى - : \" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ \" وقال ـ جل وعلا ـ : \" إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا \" وقال - تعالى - : \" وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا \" ..
وقال - تعالى - : \" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ \" وقال ـ تعالى ـ : \" فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ \" وقال ـ تعالى ـ : \" إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ \" عن ابنِ مسعودٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال : بَينَمَا النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ يُصلِّي عِندَ البَيتِ ، وأبو جهلٍ وأصحابٌ لَهُ جُلُوسٌ ، إذا قال بعضُهُم لِبَعضٍ : أَيُّكُم يجِيءُ بِسَلا جَزُورِ بني فُلانٍ ، فَيَضَعَهُ على ظَهرِ محمدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانبَعَثَ أَشقَى القومِ فجاء به ، فَنَظَرَ حتى سَجَدَ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَوَضَعَهُ على ظَهرِهِ بَينَ كَتِفَيهِ ، وَأَنَا أَنظُرُ لا أُغَيِّرُ شَيئًا ، لَو كَان لي مَنَعَةٌ ، قال : فَجَعَلُوا يَضحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعضُهُم على بَعضٍ ، وَرَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ ساجدٌ لا يَرفَعُ رَأسَهُ ، حتى جاءته فَاطِمَةُ ، فَطَرَحَت عَن ظَهرِهِ ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ثم قال : اللهم عَلَيكَ بِقُريشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَشَقَّ عَلَيهِم إِذْ دَعَا عَلَيهِم .
قال : وكانوا يَرونَ أَنَّ الدَّعوَةَ في ذلك البَلَدِ مُستَجَابَةٌ . ثم سمَّى : اللهم عليك بأبي جهلٍ ، وعليك بِعُتبَةَ بنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ ، وَالوَلِيدِ بنِ عُتبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ ، وَعُقبَةَ بنِ أَبي مُعَيطٍ . وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَم نحفَظْهُ ، قال : فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ ، لَقَد رَأَيتُ الذين عَدَّ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ صَرعَى في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدرٍ . وعن أنسِ بنِ مالكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال : كان رَجُلٌ نَصرَانيٌّ فَأَسلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمرَانَ ، وكان يَكتُبُ لِلنَّبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فَعَادَ نَصرَانِيًّا ، وكان يَقُولُ : لا يَدرِي محمدٌ إلا ما كَتَبتُ له ، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفنُوهُ ، فَأَصبَحَ وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ ، فقالوا : هذا فِعلُ محمدٍ وأَصحابِهِ لمَّا هَرَبَ مِنهُم ، نَبَشُوا عن صاحبِنا فَأَلقَوهُ ، فَحَفَرُوا له فَأَعمَقُوا له في الأَرضِ ما استَطَاعُوا ، فَأَصبَحُوا وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلقَوه .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أيها المسلمون ـ وانصُرُوا رَسولَكُم وَذُبُّوا عَن عِرضِهِ بما تَستَطِيعُون ، هُبُّوا للانتِقَامِ لَهُ كُلٌّ بِحَسَبِ قُدرَتِهِ وَاستِطَاعَتِهِ ، اِقرَؤُوا سَيرَتَهُ ، وَانشُرُوها مِن خِلالِ الوَسَائِلِ المُتَاحَةِ ، بِالمَقَالَةِ وَالمَطوِيَّةِ ، وَالنَّشرَةِ وَالكِتَابِ ، وَالبَرَامِجِ المَرئِيَّةِ وَالمَسمُوعَةِ ، مِن خِلالِ المَدَارِسِ وَالمَسَاجِدِ ، في البُيُوتِ وَالمَحَافِلِ . قِفُوا على تَفَاصِيلِ سَيرتِهِ ، وَتَأَمَّلُوا دَقَائِقَ سُنَّتِهِ ، فَهُوَ أَعظَمُ رَجُلٍ في التاريخِ ، وَهُوَ مِنَّا وَنحنُ مِنهُ ، وَقَد فُزنَا بِهِ وَشَرُفنَا بِالنَّسبَةِ إِلَيهِ ، فَلا يَلِيقُ بِنَا أَن نجهَلَ تَاريخَهُ وَسِيرتَهُ وَسُنَّتَهُ ..
ثم عَلَيكُم بِتَفعِيلِ سِلاحِ المُقَاطَعَةِ لِمُنتَجَاتِ هذِهِ الدُّوَلِ التي سُبَّ فِيهَا وَاستُهزِئَ بِهِ في صُحُفِها ، فَذَلِكَ مِن أَقَلِّ مَا يجِبُ نحوَهُ ـ عَلَيهِ الصلاةُ والسلامُ ..
وَارفَعُوا إِلى اللهِ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ أَن يُعِزَّ دِينَهُ وَيُعلِيَ كَلِمَتَهُ ، وَأَن يُذِلَّ الكُفرَ وَيَمحَقَ الكَافِرِينَ ، وَأَجزِلُوا الدُّعَاءَ وَأَخلِصُوهُ ، لِوُلاةِ أَمرِنا ، حَيثُ سَحَبُوا سَفِيرَهُم مِن تِلكَ البِلادَ ، احتجاجًا منهم ـ وفقهم اللهُ ـ على استِهزَاءِ أَولئك بِرَسولِ اللهِ ، فَادعُوا لهم ولمن قَاطَعَ سِلَعَ أَولئك مِن تُجَّارِنَا ـ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِم ـ وَادعَمُوا ذلك وَاحتَسِبُوا الأَجرَ مِن رَبَّكُم .